لقد فرض ملف تمويل القوة المسلحة
المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس، نفسه في صدارة مباحثات القمة الاستثنائية للمجموعة،
التي انعقدت مطلع الشهر الجاري في باماكو، حيث عكف رؤساء
الدول الأعضاء في هذه المنظمة الإقليمية الفتية، وبحضور الرئيس الفرنسي الجديد
السيد ماكرون، على بحث سبل تعبئة ميزانية تقدر
بـ 423 مليون يورو من أجل تفعيل القوة العسكرية المشتركة، بعد مصادقة مجلس الأمن الدولي
بالإجماع بتاريخ 21 يونيو الماضي، على القرار رقم 2359 القاضي بالموافقة على نشرها في
منطقة الساحل من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
وسأحاول فيما يلي، بعد قراءة
تحليلية متأنية لأبعاد هذا القرار، المساهمة في إنارة الرأي العام في بلادنا وكذا
في بلدان المنطقة[1]،
حول الرهانات الإستراتيجية لهذا الحدث السياسي والدبلوماسي الكبير، من خلال إبداء الملاحظات
التالية:
1.
يعتبر القرار رقم 2359 إيجابيا بشكل عام، رغم أنه كان ضبابيا بشأن تمويل القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل
الخمس، فهو من جهة، يماطل من خلال فقرته السادسة عندما يطالب دول الساحل بإعطاء القوة،
التي أنشئت مؤخرا، الموارد اللازمة لتفعيلها، لكنه يستدرك من جهة أخرى، وينص في السطر
5 من الفقرة نفسها، على إلزام الشركاء الثنائيين ومتعددي الأطراف بتقديم مزيد من
الدعم لهذه القوة المشتركة على المستويات اللوجستية والعملياتية والمالية، فضلا عن
إلزامهم بعقد مؤتمر للمانحين من أجل تنسيق المساعدة الدولية لصالحها.
2.
لم يكن متاحا للقوة المشتركة لدول الساحل الخمس من الناحية الموضوعية، أن تحصل
على مزيد من الالتزامات من طرف مجلس الأمن بخصوص مسألة التمويل في السياق الدولي
الحالي وتعقيداته المختلفة، ولأن المجلس لا يمكن أن يلتزم حصريا بتقديم دعم مالي
مباشر إلا في إحدى حالتين:
أولا: في حالة استخدام القوة المسلحة من أجل تطبيق الفصل
السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الخاص بالعمل في حالات تهديد السلم والإخلال به
ووقوع العدوان (المواد 43، 44 و 45 من الفصل
السابع). وحتى في هذه الحالة، يكون قرار استخدام القوة المسلحة محصورا بيد مجلس
الأمن نفسه، وبمساعدة لجنة الأركان التابعة له. لكن، وكما هو معروف، كثيرا ما تتم عرقلة
تطبيق الفصل السابع باستخدام حق النقض على خلفية المناورات السياسية للأعضاء
الدائمين في المجلس؛ أضف إلى ذلك أن اتجاه فكرة إنشاء القوة المشتركة لدول الساحل
الخمس، لم يكن في الأصل نحو إخضاع قيادتها للجنة أركان مجلس الأمن، وإنما حرصت البلدان
المؤسسة لها على أن تكون قيادتها المشتركة منبثقة عن قيادات الأركان المسلحة في
الدول الأعضاء في مجموعة دول الساحل الخمس.
ثانيا: في حالة التدخل العسكري في إطار "عمليات حفظ السلام" التابعة للأمم المتحدة، حيث تطور
كثيرا هذا مفهوم - بعد اختراعه من طرف الهيئة الأممية سنة 1956 أثناء أزمة السويس-
تحت مسمى "القبعات الزرقاء"، مشكلا استجابة خاصة لوضعية غير مشمولة أصلا
في ميثاق الأمم المتحدة، وأداة للتهدئة في مقابل استخدام القوة الصلبة. ورغم غياب أساس قانوني صريح
لعمليات حفظ السلام، والحديث عن أسطورة "الفصل السادس ونصف"، فهي تبقى خاضعة للسلطة التقديرية لمجلس الأمن، وهو
الذي يقرر تشكيلها ويحدد مدة عملها. ويعتبر الأمين العام للأمم المتحدة مسؤولا
أمام مجلس الأمن عن قيادة قوات حفظ السلام، وهو الذي يعين بموافقة المجلس، القائد الأعلى لكل قوة عسكرية، بالإضافة إلى
ممثل خاص له بالنسبة لعمليات حفظ السلام الكبيرة، ذات المكونات المدنية، وهما
اللذان توكل إليهما القيادة العملياتية، العسكرية والسياسية على الميدان، كما أن القائد
الأعلى للقوة هو الذي يعين أعضاء قيادة الأركان من بين ضباط الوحدات الوطنية
الموضوعة تحت تصرفه.
3.
ارتفع الطلب بشكل كبير على الأمم المتحدة، منذ انتهاء الحرب الباردة، لإطلاق
هذا النوع من التدخلات، حيث تمكنت خلال خمس سنوات فقط من إطلاق عدد من عمليات حفظ
السلام يفوق بثلاث مرات كل ما قامت به خلال الأربعين سنة السابقة.
4.
يبلغ العدد الإجمالي لأفراد القبعات الزرقاء العاملين في الميدان بتاريخ 31 مايو 2017، في إطار الـ16 عملية لحفظ السلام الجارية حاليا 112207 موظفا، مستقدمين من 128
بلدا. وبصفتهم موظفين دوليين،
فهم يتمتعون باستقلالية تامة عن قرارات الدول المساهمة في تشكيل قوات حفظ السلام.
5.
تتم تعبئة ميزانية عمليات حفظ السلام، التي شهدت نموا مضطردا، مرتفعة
من 3,6 مليار دولار سنة 2006 (بدون احتساب كوسوفو) إلى 5 مليار دولار سنة
2007، ثم إلى 7 مليار دولار سنة 2016، على أساس سلم تنازلي يحدد أربع فئات من
المساهمين. أما في الواقع، فإن تمويل الميزانية يقدم بالكامل تقريبا من طرف الدول
الصناعية الكبرى التي تدفع مساهماتها بشكل متأخر أكثر فأكثر، حيث لم يتحقق حتى
الآن ذلك المشروع المقترح من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1992 بإنشاء صندوق احتياطي خاص بتمويل عمليات حفظ
السلام بمبلغ 150 مليار دولار، من أجل التغلب على العجز المالي المزمن الذي يؤثر
بشكل كبير على قدرة بعثات حفظ السلام على الوفاء بواجباتها في جميع أنحاء العالم.
وقد بلغت الميزانية المعتمدة لعمليات حفظ السلام لسنة 2016-2017 حوالي 7,87 مليار
دولار. وهو ما يمثل نسبة أقل من 1٪ من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي المقدر بـ
1747 مليار دولار سنة 2013.
6.
تتباين الميزانيات السنوية المخصصة لبعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام عبر
العالم، فعلى سبيل المثال، تحظى بعثة مينرسو (450 موظفا) بمبلغ 56.582.500 دولار أمريكي،
أما بعثة مينيسما (14.043 موظفا) فتبلغ ميزانيتها 933.411.000 دولار، بينما يرتفع
المبلغ المخصص لبعثة مونيسكو في جمهورية الكونغو الديمقراطية (22.199 موظفا) إلى حدود 1.235.723.100 دولار.
7.
لكي تستفيد دول الساحل الخمس بشكل
أفضل من قرار مجلس الأمن رقم 2359، الذي يظل قرارا متميزا من ناحية البنية
القانونية المتماسكة والمقاربة السياسية المرنة التي اعتمدها من أجل التنظير لحالة
ربما تكون متفردة في حقل العلاقات الدولية، نوصي بإرساء تنسيق وثيق بين هذه البلدان
على مدى الـ 24 شهرا القادمة، بشكل يعزز ويكثف من نشاطها الدبلوماسي على المستوى
الدولي في اتجاه الإسراع بتجسيد نص "الإلزام" في الفقرة 6 من القرار لصالح القوة
العسكرية المشتركة. أما على المستوى الوطني، فيجب أن يعهد بمتابعة ملف مجموعة دول
الساحل الخمس إلى وزارة الخارجية والتعاون، فهي التي تمثل -في الحقيقة- إطاره
المؤسسي والسياسي الطبيعي، بدلا من وزارة الشؤون الاقتصادية، التي سبق أن كلفت
بتسيير الملف أثناء مرحلة إنشاء المجموعة، ويفترض بأن مهمتها كانت مؤقتة. والحقيقة
أنه يجدر بموريتانيا أن تكون في طليعة البلدان التي تتخذ مبادرات من هذا النوع حرصا
على تحقيق انسجام أفضل في العمل المؤسسي وكذلك من أجل تعظيم استفادة دبلوماسية بلادنا
وتكريس حضورها الدولي الفاعل، خاصة أننا نستضيف مقر الأمانة الدائمة لمجموعة دول
الساحل الخمس في نواكشوط.
8.
ينبغي كذلك زيادة مستوى إشراك وزارة الدفاع الوطني في تنسيق ملف القوة
المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس من أجل تقييم أفضل لمساهمة بلادنا إلى هذه
القوة، وتحديد الوسائل اللازم تعبئتها وتقدير تكاليفها، فضلا عن المساهمة في
التخطيط والبرمجة والمتابعة، وذلك في إطار دراسة فنية شاملة تتضمن خطة تنفيذية لتفعيل
القوة المشتركة، حيث يمكن لموريتانيا أن تقترح إنجازها مع البلدان الأخرى في
المجموعة، من أجل تقديمها خلال الاستعراض القادم لملف القوة أمام مجلس الأمن بنيويورك
في سبتمبر المقبل.
9.
تكثيف العمل الدبلوماسي مع أعضاء مجموعة دول الساحل الخمس من أجل عقد مؤتمر
المانحين قبل نهاية سنة2017
حتى يمكن إدراج وتنفيذ التعهدات
بتمويل القوة الجديدة دون تأخير برسم السنة المالية القادمة 2018، وهنا ننصح بالإستعانة
فورا بكل من لجنة الإتحاد الأوروبي في بروكسل ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE) في باريس من أجل الاستفادة
من خبرتهما المتميزة في تنظيم مؤتمرات المانحين.
10.
بما أن الفقرة 9 من القرار الأممي قد نصت على أن مجلس الأمن قرر أن يبقي مسألة
القوة المشتركة لدول الساحل الخمس قيد النظر الفعلي، وحيث أن الفقرة 7 من القرار تلتمس
من الأمين العام للأمم المتحدة إعداد تقرير دوري موجه لمجلس الأمن عن التقدم
المحرز بشأنها، وذلك بالتعاون الوثيق مع دولها الأعضاء، ننصح بأن تستغل هذه الدول الفرصة لتكثيف نشاطها
الدبلوماسي من خلال إشراك وزارات خارجيتها وبعثاتها الدبلوماسية، بشكل خاص، في كل
من نيويورك، وأديس أبابا، وجنيف، وبروكسل، وباريس، فضلا عن الأمانة الدائمة للمجموعة
في نواكشوط، في هذا الجهد الدبلوماسي من أجل ضمان متابعة أفضل وأكثر انتظاما لتطور
ملف القوة المشتركة، مع العلم أن الاستعراض القادم للملف من طرف مجلس الأمن من
المقرر أن يجري 4 أشهر بعد المصادقة على القرار الحالي، أي في شهر سبتمبر المقبل
على أبعد تقدير.
11.
أخيرا، يجب الأخذ بعين الاعتبار، عند تنفيذ القرار الأممي- الجوانب المحددة المتعلقة
أساسا بحقوق الإنسان، على النحو المذكور في الفقرات 3 و4 و 7 من القرار، بما في
ذلك تنسيق المساعدات الإنسانية، وحماية ودمج المدنيين، خاصة الأطفال المجندين من
طرف الجماعات الإرهابية والإجرامية، ومراعاة التوازن بين الجنسين في التوظيف،
إضافة إلى قضايا السلوك والانضباط بالنسبة لأفراد القوة العسكرية العاملة.
على كل حال، ومهما تكن المعركة الدبلوماسية التي لا بد من خوضها من أجل تعبئة الموارد
الكافية لتمويل القوة المشتركة لدول الساحل الخمس، وما يفرضه ذلك من مثابرة، وصبر وذكاء
في التعامل مع الشركاء الدوليين، فإن من الواضح بأن اعتماد القرار 2359 بالإجماع من
طرف مجلس الأمن الدولي- بالموافقة على نشر القوة المشتركة من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود
في منطقة الساحل- يشكل في حد ذاته اعترافا سياسيا ودبلوماسيا لا مراء فيه، وتثمينا
للجهود الجبارة التي بذلها بلدنا ورئيسنا في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، طيلة
السنوات الأخيرة، انطلاقا من رؤية إستراتيجية وإرادة سياسية منسجمة، إيجابية،
وطموحة لصالح موريتانيا ومنطقة الساحل، والقارة الأفريقية والعالم العربي.
إن موريتانيا، التي كانت صاحبة المبادرة بإنشاء مجموعة دول الساحل الخمس سنة
2014، والتي كانت حاضرة مؤخرا في باماكو بكل ثقلها، للمشاركة في ذلك الموعد
الاستراتيجي الإقليمي والدولي الكبير، لهي مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بالعمل
على ضمان استدامة وثبات وديناميكية دبلوماسيتها في منطقة الساحل الإفريقي، مستندة
إلى المبادئ الأساسية والممارسات الجيدة للصداقة، والسلام، والاحترام المتبادل، وحسن
الجوار والتعاون بين الدول والشعوب.
نواكشوط، 9 يوليو
2017
محمد السالك ولد
إبراهيم
باحث واستشاري دولي
[1] المقال الأصلي منشور
باللغة الفرنسية بتاريخ 2 يوليو 2017 على عدة مواقع الكترونية موريتانية وإفريقية تحت عنوان:
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire