jeudi 22 novembre 2012

رسم أزويرات: اسطورة من حديد

بطاح ازويرات..
مدينة لا.. 
كالمدن..
فقاعة..
تقبع خارج الزمن..
مرايا مهشمة..
في ذاكرة المكان..
مدينة الألف جبل..
و ألف بستان..
مدينة الأمل..
و السراب..
مدينة العطش.. و العصيان
يلفها الغبار.. و الأحزان..
تنعق في سماءها الغربان..
تحفة موحشة..
في زمن النسيان..
مدينة التلال..
والسفوح..
-000-

شرنقة.. من بلور..
فيروزة في تاج "جمشيد"
جنية حزينة..
تسكن بين الملح و الكبريت..
ساحرة تكتحل..
بالسم في عيونها الكبار..
و تنفث الدخان..
بين خصلات شعرها المخضبة.. 
-000-

أزويرت..
أسطورة "كونغاي"
أميرة صينية..
ضحت بنفسها..
لتصنع.. ناقوسا من حديد ..
المعادن لا تتحد..
ما لم تمتزج بدماء..
فتاة عذراء..
أزويرات..
يوتوبيا..في اللازمان..
شفافة كالألماس..
أصيلة كالذهب..
صادقة كالحجارة الكريمة..
لكنها.. مصابة..
بلعنة الأقدار..
ازويرات..
طائر "فينيكس" خرافي..
عنقاء ذات سبعة أرواح..
من العصر الجوراسيكي..
أسطورة من حديد..
ولدت من رحم خصيب..
بنت تيرس زمور.. الكبرى
خرجت ذات يوم..
من بين أضلاع "كدية الجل"..
تنين غاضب..
نفخ فيها الروح..
انطلقت أنشودة..
تداعب الوجود..
اخضوضرت..
و "نعمت"..
انسكبت
نورا..
يملأ البطاح..
ثم انزوت..
و شحبت...
تنتحب.. بلا دموع..
تحترق كل يوم ..
ألف مرة..
لتولد من رمادها..
فجر كل صباح..

-000-

قديما..
تغنى البيظان بجمالها..
و.. تلالها..
حليب نوقها..
مرابعها التليدات..
كدية الجل..
تزاديت..
فنيف..
لقليبات..
السويديات..
تورين..
قلب الغين
قلب الشيباني
قلب الحديد..
ازميلة لكطوطه..
أودي الحلفه..
بطحة السبط،
أم اظفيرات..
أم ارواكن..
لمهوده..
-000-


ولدت 
أزويرات..

مستوطنة أوروبية..
تلعب بالماء.. والنار ..
على سفوح قرمزية..
تداعب بأخمصها..
رمال الصحراء ..
تستلقي ..
كحورية شبقة..
خرجت من عباءة..
شيطان رجيم..
ترسم آلاف الدوائر..
فوق "بطاح" بيضاء..
ترسل شعرها الطويل..
إلى أسفل الوادي..
تنعكس صورتها..
على كل التلال..
ازويرات..
قطفت تفاحة حرام ..
سقطت..
في سراديب الإثم الأبدي..
لحقت بها لعنة سرمدية..
قطارات "سيزيف" تائهة..
تمخر عباب الصحراء..
تنقل حجارة..
دما.. و.. عرقا..
تعبر المحيطات..
نحو أفق بعيد..
لعنة.. الفراعنة..
تطارد لصوص المغارة..
يخرج من باطن الأرض..
بأس الحديد..
ازويرات..
كما بدأت.. انتهت
ركام حداثة عابرة..
تنفث دخانا .. ونارا..
تسرح نحو المجهول كالأشباح..
تصلب نفسها بنفسها..
على سارية السراب..
تموت عطشا..
و تمضي غبارا..
تذروه الرياح..


-000-

أزويرات..
أغوت المغامرين..
و الحيارى..
و الطامعين..
شحذت همم النصارى..
حلموا فيها بالغنى..
قدموا من بعيد..
بهرهم..
لمعان الحديد..
فجروا..
تخوم الأرض..
قلوب الجبال ..
حملة نابليون..
من جديد..
-000-

أزويرات..
جمعت.. و فرقت..
فتنت الأشقاء الألداء..
دقت بينهم عطر أم منشم..
انقسموا.. اقتتلوا..
في الشوارع و على الأبواب..
تكبدوا.. و استشهدوا..
موريتانيون..
صحراويون..
مغاربة..
أزويرات..
كانت رأس فتيل..
لحرب خاسرة..
عزاؤها.. و فخرها..
بلا معنى..
القاتل و المقتول..
كلهم في الصحراء..

-000-

أزويرات..
مدينة الرفض و الكفاح..
ساخطة ككل مدن المناجم..
أشعلت ثورة الجهاد..
وثورة العمال و.. الفلاح..
أنجبت ثورة الصحراء
اطلقت شرارة حرب التحرير..
أوقدت كل شموعها..
لتنير الطريق
و انتبذت من أهلها..
مكانا قصيا..
كمريم العذراء..
صوفية.. كرابعة العدوية..
راهبة.. كالمجدلية.. صابرة.. صبر أيوب..
واهمة..
كأعمى ينتظر..
عودة البصر..
-000-


تمر بها السنون..
و تبقى..
بكامل زينتها..
ازويرات..
مدينة حالمة..
غجرية سافرة..
كمومسات شارع "سين دينيس" في باريس..
زاهدة.. كدير مهجور
بالية.. كقبر دارس..
ساذجة.. كصبية بريئة
بهية من غير جمال..
سعيدة من غير أحلام..
وردية بلون المعادن و الغبار
وديعة من غير طهر..

-000-

ازويرات أرض حمراء..
بطاحها حديد..
حديدها بطاح..
مدينة التناقضات و الأضداد..
حاضنة الثورة و الثوار..
قلعة الأحرار و الأخيار..
أرض الإبل و الحليب و.. القتاد..
عاصمة الحداثة..
أهلها بلا مطامح..
"شانتية" رتيبة..
كئيبة.. حاراتها..
بيوتها بلا ملامح..
خرزه في برزه..
ضجة.. قامت و انتهت..
شيء بين "الزيرة" و "البطحه" ..
شيء بين "الكدية’ و "السبخة"..
عيطة في وادي مسكون.
حيث يحترق الحديد بالنار..
و تحترق النار بالكبريت..
عفاريت الجان ..
مردة التكنولوجيا الأمريكية..
يعبثون بمكورات الحديد..
يهدمون الظل..
بمعاول عملاقة..
من فولاذ..
بحثا عن كمأة الصحراء..
ليسكروا بها..
عند المقيل..
وحوش ينشرون الخراب..
في ثنايا جسد جميل..

-000-

أزويرات ..
مدينة تتجدد كل صباح..
ترتوي بهواء تيرس ..
ترحب بكل القادمين..
محطة مفتوحة..
بلا أبواب و لا سقوف..
تحتضن كل الوافدين..
تنتصب شامخة..
في الهواء الطلق..
فاتحة ذراعيها..
قبلة للطامحين و النازحين
جنة للكادحين.. و الفاتحين..
حبيبة لكل العاشقين..
ترابها.. أحجارها..
"زيراتها".. "ركوكها" الحمراء..
بطاحها.. جبالها.. نخيلها،
سماؤها الزرقاء..
ألهمت قريحة كبار الشعراء..
سحرت عيونها العسلية ولد الطلبه..
القادم على ظهور العيس..
عبر الصحراء..
أهداها أروع القصائد..
"في مراتع تيرس.."
لكنها هجرته ..
ثم.. ارتمت في أحضان "جان أوديبير"
مغامر .. أوروبي..
سندباد من طينة "فرديناند دي ليسبس"
سمسار دولي محظوظ..
مهندس بارع..
في سحر المعادن ..
جاء من قرية مغمورة..
وسط فرنسا..
سرق النار من "بروميثيوس"..
خطف حديد ازويرات..
في أقصى الشمال..
صهره في الأفران العالية في "دينكرك" ..
على ضفاف بحر الشمال ..
ركب صهوة "اللاندروفر"..
منتصف الخمسينيات..
أسس حاضرة مخملية..
أثرى أصحاب رساميل.. ميفرما..
من أعماق مناجم ازويرات ..
مأساة أزويرات..
حديد أزويرات..
أجود مرتين..
من حديد.. "اللورين"..
قصة ميفرما مع حديد أزويرات..
كقصة حفر قناة السويس ..
كقصة "خريبكة" مع الفوسفات.. في المغرب..
كقصة "اسويل" مع النحاس.. في تشيلي
كقصة "كولمانسكوب" مع الماس في ناميبيا..
كقصة "ويتنوم" مع "الأسبستوس" في استراليا..
كقصة "بودي" مع الذهب في كاليفورنيا..
كقصة "كاديكشان" مع الفحم في روسيا..
رحل "أودبير" و رحلت"ميرفرما" ..
و بقيت ثمرة عشقهما للحديد و المال.. و النار..
بنت فرية..
بلا هوية..
تسمى ازويرات..
مدينة ملأت الدنيا..
و شغلت الناس..

-000-

منذ ذلك الحين..
تعاني أزويرات..
أوجاعها .. الأبدية..
انفصام الشخصية
ضعف الذاكرة..
شخوص البصر..
فقر الدم..
ضيق في التنفس..
ازويرات
مدينة.. تحتضر..
بالسيليكوز..
لكنها..
لن تموت..
من تحت الغبار..و الرماد..
ستنهض نار مقدسة
ينزل مطر بلوري..
يغسل محياها البريء..
و تنتصر الحياة..

-000-

أزويرات..
زنبقة تائهة..
في صحراء قاحلة..
تقاوم الريح..
تنتشي باللظى..
مدينة.. مخضبة بالأسى..
جابت كل دروب الإباء
"شانتيه".. مفتوحة..
ورشة قزحية..
لمقالع الحديد..
حولها الكادحون..
إلى كعبة للنضال..
ثارت و استثارت..
قاومت و استبسلت..
عملت.. و شقيت..
كدحت.. و قدحت..
أزبدت و ارعدت..
أثخن فيها..
صولجان القمع الآثم..
تساقط الشهداء..
في الميادين..
اربعت الأرض.. بالفداء
إلى أن جاء التأميم
دخلت سياسة التأزيم..
بدأت حكاية "لاسنيم"

-000-

"لاسنيم" في ازويرات..
ترجمة فورية لكلمة ميفرما..
بحروف عربية ..
و سحنة نورماندية ..
شركة.. وطنية.. للصناعة.. و المناجم..
وطنية.. لا تتحدث اللغة العربية..
و لا البولارية..
و لا السونكية..
و لا الولفية..
و لا الحسانية..
و لا الصنهاجية..
صناعية..
بلا صناعات..
منجمية..
لم تبق لها مناجم..
لم تصنع وادي السيلكون..
لكنها.. أسست وادي السلكوز..
وهج المعادن..
يغذي سراب الأمل..
في قيعان لا متناهية..
"لاسنيم" في أزويرات..

-000-

بعد انتهاء فورة النضال
و زمن الخطب و الأقوال
جف مداد الحبر ..
و انقشع الغبار..
"لاسنيم"..
خطوط باهتة..
فوق رمال الصحراء..
حلم أجيال..
ليس له نهار..
مرتنة الوظائف..
مجرد شعار..
من متاهات "ميفرما"
إلى متاهات "لاسنيم"
ثروات أزويرات..
تهرب عبر القطار..
"لاسنيم" في أزويرات..
عملاق أحمر..
بأقدام من طين..
مارد أهوج..
خرج من بحيرة "تزاديت"..
المسكونة بالعفاريت..
خرافة.. تتغذي بالحديد..
يستمر.. النشيد
استغلال خيرات الشعوب..
يافطات ماكرة..
نخاسة الزمن الجديد..
"لاسنيم"
حلم "ابكم".. و أصم..
لجموع العاطلين..
نبيذ رخيص..
يتعاطاه الضائعون..
أكسير حياة..
على رصيف.. الشحاذين..
يحلم به الوافدون..
أفيون للمستضعفين..
و الجورناليين..
لعبة بيروقراطية صدئة..
لا تسمن.. و لا تغني من جوع..
بلا ضباب..
تغذي الوهم و السراب
في قيعان تيرس..
"لاسنيم"
"كوبانية" بلا جنس..
و لا.. وطن..
وحش.. تكنولوجي كاسر..
يأكل.. الأخضر و اليابس..
يلوث المكان..
يخسف بالزمان..
يقهر الإنسان..
تنكرت للعمال..
و خلقت "الجورنالية" ..
أشباه عمال.. و لا عمال..
"لاسنيم" مع الحديد..
أسطورة شعبية معروفة..
قصة "عر" مع "تاره"..
تفننت في صناعة النخاسة..
و أهملت صناعة الإنسان..
-000-

ازويرات..
مدينة لكل السياسيين..
الاقريبن.. و الابعدين..
مختبر.. الإنتخابات..
و الإنقلابات..
الكل فيها..
يغازل الشغيلة..
و العاطلين..
و التائهين في الفلات..
المعارضة و الموافقة فيها..
وجهان.. لعملة واحدة..
الكل يحكم..
و الكل محكوم..
أزويرات..
تحكم نفسها بنفسها...
عنوان للإندماج..
معلمة للتعايش ..
مدينة لكل الناس..
مدينة بلا قبائل..
و لا جهات..
مدينة الصحراويين..
العائدين.. الذاهبين..
سوق عكاظ للتهريب..
قوافل الزيت..
و الشعير و السجائر..
مدينة بلا.. عقد..
بلا محرمات..
بلا تابوهات
لا شيء في ازويرات مستحيل..
مدينة لكل الموريتانيين..
من كل الجهات..
فسيفساء من الأجناس و المجتمعات..
وحدت بين الشمال و الجنوب..
خلطت بين الشرق و الغرب..
ربطت بين النهر و البحر..
جمعت بين الكبله و آفطوط..
دمجت بين آدرار و شمامه..
نسجت خيوطا بين الحوضين و الساحل..
أدخلت لعصابة في اترارزة..
و أخرجت تكانت من كيديماغة..
جاء الجميع..
تحت عباءة "لاسنيم"..
و خرجوا .. بخفي حنين..
ازويرات ..
ديمقراطية حتى النخاع..
مدينة التناوب و التجاذب..
تعشق المعارضة..
و تنام مع.. الأغلبية..
ترشح بلا حسابات..
تصوت بلا مجاملات..
ازويرات ..
مدينة لا تباع و لا تشترى..
شيوعية في النور و الغبار.. و "السليكوز"..
ليبرالية في الليل قبل النهار..
ثقافتها السائدة..
أنها مدينة بلا ثقافة..
-000-


أزويرات..
مدينة فاضلة..
لم يحلم.. بها افلاطون..
تنكر لها وطن.. و أمة..
"ميرفرما"..
دولة قبل الدولة
أنشأت أزويرات..
من فراغ..
"لاسنيم" دولة داخل الدولة..
أعادت أزويرات..
إلى الفراغ..
أمتص الخارج و الداخل..
خيرات ازويرات..
أزيد من نصف قرن..
تركتها كل الأنظمة..
خارج الزمن..
ظلم ذوي القربى..
بلا عزاء..
مدينة .. نازفة..
رئة البلاد..
لم ترحمها.. البلاد
تموت في هدوء..
بداء السحار..
يبيعون بالجملة..
ما تبقى.. من حليتها العتيقة..
و يجعلونها تسكر..
بماء مشاريع السراب..
أزويرات..
طفلة يتيمة..
بلا أقارب..
تخلت عنها الدولة الغائبة..
و رمت بها عند أقدام..
"الشركة" القابضة..
"لاسنيم"..
حالة مستعصية..
فلزات الشيزوفرينيا..
و نترات داء العظمة..
"لاسنيم".. في أزويرات..
ماكينة.. جامحة..
لا تستطيع نسيان..
ماضيها الإستعماري..
قبل خمسين عاما..
شيدت "ميفرما" حائطا عنصريا..
فيما بعد..
سيلهم مهندسي إسرائيل..
عزلت الحي الشعبي عن الحي الأوروبي..
في ازويرات..
"لاسنيم" بعد أن بددت الأحلام..
و سفهت طموح كل الطامحين..
قسمت "الشانتيه" إلى حارات..
جدار برلين..
لم يسقط في أزويرات..
جدار ذهني..
للفصل بين بني البشر..
سكان ازويرات..
يولدون و هم يعرفون..
الخط الفاصل بينهم..
في الجينات..
أشباح تائهون..
وجوه مغبرة..
بلا ملامح..
صعود و نزول...
دوريات.. و فرق..
صباح.. و مساء..
لا فرق..
سيارات عابرة..
في كل الإتجاهات..
شمس.. و غبار..
برد.. و حر..
أجانب من كل الأجناس و اللغات..
أزويرات..
مدينة المناجم..
و الأحلام.. المكسرة..
تعلم الناس فيها..
كيف يعيشون..
على حد السيف..
بين الدولة الهاربة..
و الشركة القابضة..
في ازويرات..
تذوب كرامة الإنسان..
على صخرة من حديد..
ألف مرة..
تحترق المدينة كل يوم ..
فيولد من رمادها..
طائر أخضر جميل..
فينيكس .. جديد..

محمد السالك ولد ابراهيم 
 22 نوفمبر 2012 

هوامش:

- النص: "بورتريه سوريالي " surréaliste portrait لمدينة ازويرات المنجمية في الشمال الموريتاني. "رسم أحمدي" على طريقة سدوم ولد اندرتو، و إيقاعات نزار قباني و ومضات غسان الإمام. وصف لتلافيف ذاكرة المكان و الزمان. تأملات في صعود و نزول مدينة أنجبتها الحداثة الغربية في أوج طموح الرأسمالية الدولية العابرة للقارات.. تجاهلها وطن .. فلم يستطع الإفادة منها.. ولم يفدها بشيء. مزيج هلامي من ألوان التعبير.. شعر منثور و نثر مشعور على إيقاع "موماية" القصيدة النثرية العربية. شذرات بيان من حمإ مسنون.. شطحات من بوح بالمكنون .. خطرات في جلد الذات و المكان.. نبض استشراف لأفق يتجاوز لحظة الإنفعال..

رسم ازويرات .. صيحة في آخر ليل طويل.. من الحرقة.. و المآسي.. و المظالم..
لحن شارد.. لتخليد مدينة مشاكسة..
أحبها كثيرون.. و أنا واحد منهم..

- الكاتب: أحد أبناء الشتات.. من أهالي مدينة ابطاح ازويرات.. عاش طفولته بين أحيائها و حاراتها الوديعة.. سكن في "ديميز".. شرب مياه "تزاديت العذبة" و مياه "واد اللقاح" المالحة.. درس في المدرستين رقم واحد.. و أثنين.. لعب في ساحاتها.. عشق صفاءها .. و تنفس غبارها القاتل.. قبل أن يرحل.. ابتعد عنها كثيرا.. لكنه حمل أحزانها.. و خيباتها.. و آمالها..
يزورها على فترات متباعدة.. يصدمه كثيرا واقعها المزري.. و حياتها التائهه.. فيتمنى لها الأفضل..

- "ميفرما" MIFERMA أو "معادن حديد موريتانيا" هي شركة دولية متعددة الجنسيات تشكلت من 3 شركات فرنسية، و 3 شركات بريطانية، و شركة كندية و شركة ألمانية و شركة إيطالية بالإضافة إلى أكبر مجموعة مصرفية يهودية في العالم هي بنوك و شركات "روتشيلد" للتعدين. تأسست الشركة يوم 16 فبراير سنة 1952 من أجل استغلال مناجم الحديد في أزويرات نهبا. مولها البنك الدولي بمبلغ 66 مليون دولار أمريكي بتوصية من البارون المتنفذ "غي دي روتشيلد". و بذلك، ظلت سابقة في تاريخ الإستثمار العالمي، فلم يسبق للبنك الدولي قبلها أن مول شركة من القطاع الخاص. أما الحكومة الموريتانية فلم تساهم في رأس مال ميفرما إلا بعيد الإستقلال سنة 1963 و ذلك بنسبة 5 % فقط، بينما بلغت نسبة مجموعة شركات "روتشيلد" وحدها حوالي 20% من رأس مال الشركة.
صدرت ميفرما إلى الخارج ما بين سنة 1963 و سنة 1974 ما معدله السنوي المعلن 10 مليون طن من خامات الحديد عالي الجودة من مقالع الحديد في أزويرات.
أممت الحكومة الموريتانية ميفرما في 28 نوفمبر 1974، و دفعت حينها للمساهمين الأجانب تعويضا ماليا يقدر بـ 110 مليون دولار منحت منها الكويت 40 مليون قرضا و الباقي دفعه العراق و الجزائر و ليبيا و السعودية هبة.
منذ ذلك التاريخ، أحيلت ممتلكات ميفرما و صلاحياتها إلى شركة وطنية تأسست على الورق سنة 1972 تسمى "سنيم".

ولد الطلبه: امحمد ولد الطلبه اليعقوبي، 1774) - 1856م) شاعر تيرس العظيم، ولد و توفي فيها. لم يبق مكان في نواحي تيرس إلا وخلد في شعر النسيب الجيد. له ديوان يضم 1500 بيتا، حققه وشرحه الباحث: محمد عبد الله بن أشبيه، متضمنا كل ما أمكن العثور عليه من شعره. كما حققه باحث آخر هو محمد محمود بن محمد الأمين. صدر ديوانه في طبعة جيدة عن مؤسسة أحمد السالك ولد ابوه.

"جان أوديبير": Jean Georges AUDIBERT (1921-1989)، مهندس فرنسي، متخصص في المعادن، كان مديرا عاما لشركة "ميفرما" بين عامي 1956 و 1972، ثم كان آخر رئيس مجلس إدارة للشركة عندما حصل التأميم سنة 1974. أسس "جان أوديبير" مدينة أزويرات في موقعها الحالي..
جمع جان أوديبير مذكراته في كتاب "ميفرما: مغامرة انسانية وصناعية في موريتانيا"، الذي صدر بعد وفاته، بعد أن أكملته و نشرته زوجته، سنة 1991.
MIFERMA: Une aventure humaine et industrielle en Mauritanie Jean AUDIBERT L’Harmattan (1991)

lundi 4 juin 2012

موسم الهجرة إلى "أف.أم"

بعد طول احتكار الفضاء السمعي البصري في موريتانيا من طرف الإعلام العمومي أو ما يمكن أن يسمى الـ "مينستريم mainstream" المهيمن، فتحت الدولة أخيرا موجات الأثير أمام بعض الإذاعات المحلية الخصوصية. و كان التحضير لتلك الخطوة قد بدأ بالفعل منذ عدة سنوات بالسماح لبعض المحطات الإذاعية الأجنبية بالبث على الموجة الترددية "أف. أم" في نواكشوط، حيث حجز مؤخرا القسم العربي لإذاعة الصين مكانا له على الموجة الترددية بعد كل من قناة الجزيرة أف. أم، و القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية و إذاعة مونت كارلو العالمية، و إذاعة فرنسا الدولية.

و بما أن رحلة الألف ميل لا بد أن تبدأ بخطوة، فقد ظهر مؤخرا أول مولود إذاعي من خارج دائرة الإعلام الرسمي هو إذاعة "موريتانيد أف.أم" التي - رغم تميز أدائها المهني- إلا أنها تبقى مثيرة للجدل. و في ما يشبه موسما لهجرة مواقع الانترنت و الصحف الموريتانية إلى موجة أف. أم، يتوقع أن يتوالى ظهور بقية الإذاعات الأخرى المرخصة من طرف سلطة التنظيم و هي "صحراء أف أم" و"كوبني" و"التنوير" و"إذاعة نواكشوط".

لكن، هل نعيش حقا في موريتانيا لحظة تشكل إعلام مختلف؟ أم هل سيعيد  الـ "مينستريم mainstream" إنتاج نفسه من جديد من خلال إعادة انتشار تكتيكي عبر البث الترددي ليس إلا؟ هل بالإمكان تحقيق نقلة نوعية في مجال تحرير  و تطوير الإعلام السمعي البصري قبل البدء في إصلاح جدي يستهدف القطاع العمومي بشكل جاد ؟  كيف يستنبت إعلام مستقل و موضوعي وسط بركة راكدة  تتناثر حولها قواقع إعلام رسمي متحجر؟ كيف ستنتعش ثقافة الرأي و الرأي الآخر في ظل إعلام شمولي، أحادي الاتجاه، دوغمائي النزعة و ضحل المحتوى؟ لماذا لم تبادر السلطات في موريتانيا أولا إلى إعادة رسم الإستراتيجية الإعلامية للدولة بشكل يعيد تحديد الوظيفة التواصلية الجديدة لوسائل الإعلام العمومي في ظل سيادة الديمقراطية و الاحتكام  إلى القانون؟ بدلا من ترك الحابل على الغارب لكل مسؤول إعلامي عمومي يمارس أسلوبه الشخصي و يخدم أهدافه الضيقة على حساب المصلحة العامة للبلاد؟ و لماذا لا تسن قوانين مناسبة تشرع استراتيجية تواصلية وطنية حقيقية بدلا من التغاضي عن الفوضى الإعلامية أو تسويق التوظيف السياسي للإعلام؟


أعتقد بأن من المهم  بالنسبة لموريتانيا في الوقت الراهن أن تعيد الاعتبار - بدون مزايدات و لا مناورات- لقيم التواصل والإعلام الحر كفضائل أخلاقية و إنسانية و كضرورات حياتية لا غنى عنها من أجل نجاح التحول الديمقراطي و تحقيق التنمية المستدامة في البلاد.

من الناحية الموضوعية، لا يتوقع نجاح يذكر على الصعيد الإعلامي بمجرد هجرة الصحف المستقلة و المواقع الإلكترونية تقنيا إلى موجة أف. أم مع الإبقاء على نفس العقليات في التفكير و في التعامل.. و تكريس نفس الأيديولوجيا السائدة.. و استخدام نفس الطواقم البشرية.. و اتخاذ نفس التموقعات  السياسية و التخندقات المجتمعية .. و التعاطي مع نفس مراكز تداول و تدافع النفوذ من خلال نفس الشبكات الزبونية التي كانت موجودة قبل تحرير الفضاء السمعي البصري

لن تنفع الهجرة إلى أف. أم  بدون إعادة تأسيس و تنظيم القطاع الإعلامي الرسمي  أو الـ"مينستريم " بما يتماشى مع وضع دولة ديمقراطية تعددية، ترجع السيادة فيها للشعب والولاء لمؤسسات الجمهورية ويطبق فيها القانون والنظام على الجميع بمساواة وعدالة. و هو ما يقتضي إعادة توجيه الإعلام في خدمة ثقافة التواصل و البحث عن الحقيقة و  رصد اهتمامات المواطن و مناقشة قضايا التنمية المستدامة.  و يقتضي هذا الإصلاح حتما إعادة  هيكلة وزارة الإعلام  أو "الإتصال" و كذا إصلاح و تفعيل السلطة العليا للصحافة و السمعيات البصرية كسلطة تنظيم حقيقة للإعلام لا مجرد فندق من فئة الخمسة نجوم لتعاطي البيروقراطية.
  
و تبعا لهذا المنطق، يتوجب على المؤسسات الإعلامية العمومية أن تحدث قطيعة نهائية مع تلك الخلفية الديماغوجية المبطنة للخطاب الإعلامي الرسمي الذي تعود - طيلة عشرات السنين و تحت كل الأنظمة السياسية المتعاقبة- على احتقار المتلقي والاستخفاف بعقله و وجدانه. بل و النظر إليه كمجرد "مجال" محتكر تمارس عليه دوما عملية اتصال تسلطي، أحادي الاتجاه من أعلى إلى أسفل.

خلال أكثر من خمسين سنة  كرس الإعلام الرسمي عشرات الصور النمطية التي تظهر الحكومة كنصف آلهة أسطورية تخاطب قطيعا بشريا من القاصرين و العجزة.. تتكرم عليهم بكل ما تقوم به.. و تتطاول على كرامتهم ازدراء و استخفافا بدون حساب.. فالحكومة هي دائما صاحبة اليد العليا ، تعطي و تمن، تزجر و توبخ.. تحتفل و تنتشي.. تعرض نفسها و تستعرض أنشطتها و قدراتها بشكل مبالغ فيه أمام جمهور من المستمعين و المشاهدين غالبا ما يصورهم الإعلام الرسمي كأناس معتوهين.. مثيرين للشفقة..

لقد أظهرت دراسة حديثة قام بها باحثون موريتانيون حول الإعلام و التحولات الكبرى للمجتمع بأن خمسين سنة من هيمنة الـ "مينستريم mainstream" قد كرست ظهور المواطن الموريتاني دوما في صور نمطية ذات إيحاءات بالغة السلبية أنتجها إعلام رسمي متغول. 

فالمواطن الموريتاني في وسائل الإعلام العمومي إما شاهد زور يلقن ما سيقوله، أو مهرج يطبل بكل غباء، أو "شحات" يستدر العطف و المساعدة،  أو خصم مخالف في الرأي يستحق التوبيخ و السب و الشتم، أو هو ضال تلتمس له الهداية، أو أعرابي لا يفقه شيئا عن المدنية، أو كسول لا يريد العمل و الإنتاج، أو خارج على القانون تنبغي معاقبته، أو مخبر فاشل لا يحسن الإبلاغ، أو إرهابي يتوجب التنكيل به.

هذه باختصار بعض من تلك الصور النمطية السلبية التي يتوجب على الإعلام العمومي - من الآن فصاعدا- الإقلاع عنها و استبدالها بصور إيجابية تكرس المواطنة و تحترم الرأي و الرأي الآخر، و تخدم التنمية المستدامة.. بعيدا عن لعبة الاستخدام "السياسوي" المزدوج في التطبيل و التزمير و السب و القدح .. و تغليب التمصلح..و التزلف و النفاق و إتباع الأهواء و الأمزجة.

أما السلطة العليا للصحافة و السمعيات البصرية فلا بد من إرادة جمهورية حقيقة و جادة لتفعيلها و إعادة تأهيلها لتشب عن الطوق ..و تتجاوز مرحلة الديكور و المحاكاة و تصبح مستقلة تماما  و قادرة على ممارسة  كامل صلاحياتها التحكيمية في مجال تنظيم السمعيات البصرية كمؤسسة جمهورية سيادية كاملة السلطة. القوانين مهمة.. و السياسات مهمة.. لكن يبقى الأهم هو التطبيق السليم.. و الصبر على النقد الذاتي و التقييم الموضوعي والتطوير.

في الأخير، أتمنى لكل المبادرات الإعلامية السمعية البصرية الخصوصية -التي بدأت ترى النور- النجاح والتوفيق.. لكنني أذكر أصحابها بأن "كل مولود يولد على الفطرة ..." كما أنني أحث صانعي القرار ضمن الثلاثي المتحكم (الدولة والسوق النخبة) على تسهيل عملية تحرير العقول أولا.. قبل تحرير الإعلام، لكي يتسنى للقائمين على المؤسسات الإعلامية الوليدة انتهاج أسلوب مهني في الطرح الموضوعي و المعالجة الجريئة و المتوازنة.. بعيدا عن كل الإغراءات و الضغوط و الممارسات الزبونية المخلة بشرف تعاطي مهنة الإعلام و التواصل المفيد.. و لكي لا يكون الأمر مجرد موسم للهجرة إلى أف. أم، على الجميع السهر على ضمان احترام اختيارات ومواقف واستقلالية كل المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية الجديدة عندما يكتمل قوس قزح الإعلامي الجديد في سماء موريتانيا الممكنة.


محمد السالك ولد ابراهيم
medsaleck@gmail.com
انواكشوط -  3 يونيو 2012

سيدي محمد ولد بوبكر: قراءة في طموح سياسي مثير؟

حتى وإن بَدَا متأخرًا ذلك الطموح السياسي الذي أبانَ عنه الوزير الأول الأسبق السيد سيدي محمد ولد بوبكر، من خلال الإعلان عن ترشحه للمنصب...