lundi 12 décembre 2011

الثورات العربية : حلم أم كابوس؟ قراءة في التحولات الكبرى للربيع العربي

مدخل تمهيدي: أسئلة الربيع العربي

هل يشكل نموذج الثورة التونسية رياحا موسمية تهب على بلدان المنطقة العربية فتنثر فيها بذور الإصلاح و التغيير الهادئ نحو الأفضل في مجالي التنمية المستدامة و حقوق الإنسان؟ أم سيتحول شبح تلك الثورة إلى شر مستطير، يزرع الرعب و يهدد الإستقرار، فيقتلع الأنظمة مخلفا وراءه الفوضى و الدمار، و يفتح المنطقة على أبواب المجهول؟

لقد ظلت على مر العصور، ظاهرة الثورات - كشكل من أشكال التعبير الإنساني عن الرفض و التوق إلى التغيير نحو الأفضل- تتفاعل و تتشابه دون أن تتماهى، و تتناسل دون أن تستنسخ وراثيا على طريقة النعجة "دوللي". لكن، كيف لنا أن نفهم طبيعة هذه الثورات التي تفتقت عنها أزاهير الربيع العربي في منطقة من العالم تمتد من انواكشوط  غربا إلى جاكارتا شرقا، ظلت مستعصية على الديمقراطية ردحا طويلا من الزمن؟  ما هو مصير التحولات الكبرى الجارية في المنطقة العربية منذ لحظة تفجر الثورة التونسية، حيث نجح ضغط الشارع لأول مرة في إسقاط رئيس دولة عربية بطريقة سلمية قبل حوالي سنة؟  فما الذي حدث و يحدث منذ ذلك الحين في العالم العربي؟ ما الأهداف و ما النتائج المتوقعة؟ هل هو ربيع عربي حقا يعد بالخصب و النماء، أم هو سايكس بيكو جديد لتمزيق المنطقة و تقطيع أوصالها و نهب ثرواتها؟ هل الثورات العربية حلم جميل يدغدغ مشاعر الفقراء و يتغنى به الشعراء؟ أم هي كابوس مرعب يرفع فاتورة التكلفة المجتمعية و الإستراتيجية للتغيير المدني إلى حدود قياسية؟ ما عقلانية و ما جدوائية مشروع الثورة في البلاد العربية؟ من الرابح و من الخاسر في هذه اللعبة؟ و  من سيكون الرابح الأكبر؟ 

هل سينجح المفعول الثوري لظاهرة "البوعزيزي" و لحظة "سيدي بوزيد" في تحقيق ثورة عربية ستدخل التاريخ من بابه الواسع على غرار الثورات العالمية الكبرى مثل الثورتين الفرنسية و الأمريكية؟ و هل تتحول محنة الخبز و الحرية المتشحة بلهيب المأساة إلى ظاهرة عربية و كونية تدشن مرحلة جديدة من الفعل الثوري في اتجاه التغيير الاجتماعي و السياسي المتسارع في أغلبية البلدان العربية؟ ما طبيعة الثورات العربية الجديدة في عصر الجماهير الرقمية؟ و كيف نجحت "الواقعية الافتراضية" للثورات الجديدة، التي لا يقودها تنظيم سري و لا معارضة سياسية لا داخلية ولا خارجية، ولا تعبئ لها دعاية صحافة كلاسيكية وطنية أو دولية، في تحقيق هذا المستوى الفائق من التغيير بعد أن ظل العالم العربي مستعصيا لعدة قرون ؟ 

لا أحد يستطيع قراءة الغيب و لا التنبؤ بمستقبل هذه الاحتجاجات و الثورات لأن الوقت ما يزال مبكرا لدراسة الظاهرة بموضوعية بعيدا عن التجاذبات و الحسابات الآنية!   كما أن تلك الثورات، التي و إن اتسمت بالجرأة و التحدي في الأسلوب و المنهج، فإنها لا تزال غامضة في مقدماتها و مشوشة في نتائجها الأولية على الأقل. و لن تكون ظاهرة الثورات العربية متاحة للتحليل العلمي قبل أن تنضج المسارات process الجارية و تكتمل الصورة.

لذلك، لا مندوحة عند تحليل الحالة الثورية الراهنة - في العديد من الأقطار العربية أو في البلدان المرشحة الأخرى في المنطقة أو على تخومها- من نوع من المجازفة المعرفية المحسوبة. و لعل أصعب المهام في الوقت الراهن، أن يلتمس المحلل أو الباحث بناء موقف معرفي نقدي من الأحداث الجارية، يكون مختلفا جذريا عن المواقف الأيديولوجية الكلاسيكية سواء بقبول الظاهرة أو رفضها، ستبقى في النهاية نوعا من تحصيل الحاصل. أما بناء الموقف المعرفي النقدي الذي نطمح إليه، فهو يسمح لنا بالتعامل المرن مع ظاهرة الثورات العربية الجارية قصد ضرورة فهمها أولا.. و من ثم، متابعتها بأخذ مسافات موضوعية منها، و تحليلها بأدوات إجرائية  تستلهم منهجية التحليل النقدي المستندة إلى حقل "ابستيمولوجيا" العلوم الإنسانية.

ضمن هذا السياق، توجد عدة مؤشرات لا بد من أخذها بعين الاعتبار. فهناك حاليا جو عام من "المد ثوري" يسود المنطقة لا يمكن تجاهله، إضافة إلى الشرعية التي يولدها و التأثير السيكولوجي الذي يخلقه ذلك المد، خاصة في الأوساط الشبابية المندمجة بشكل كبير في التعاطي مع الثورات التي تحققت حتى الآن في بعض الأقطار العربية، عن طريق الإنترنت و شبكات التواصل الاجتماعي.  لكن، في الحقيقة ما يزال هذا المناخ الثوري العربي محلا للتساؤل و الاستفهام.  فالأمور حتى بعد عتبة "إسقاط الرئيس" تبقى في مرحلة انتقالية حرجة كما في تونس، و هي جد معقدة و حساسة كما في مصر، كما أنها جد مشوشة و مفتوحة على المجهول كما في ليبيا. أما في البلدان التي لم  تصل الثورات فيها بعد إلى تلك المرحلة، فهي تعيش وضعية تراجيديا كارثية بالغة التعقيد و الحساسية كما في اليمن و البحرين و سوريا، حيث لا يوازي مأساوية استمرار شلال الدم النازف إلا تعقيد المواقف و الحسابات الجيوستراتيجية الإقليمة و الدولية إزاء مصير الحالة الثورية في هذه البلدان بالذات.  

لكن بشكل عام، هناك ما يسمى بمفعول"الدومينو البوزيدي" الذي بدأ يسري في جميع أرجاء المنطقة العربية. و يبقى أمامه احتمالان: فإما أن تنطفئ جذوة الحماس دون بلوغ الزخم المنشود للحركة الاحتجاجية وسط  تجاهل الأغلبية من السكان المنشغلين بأمورهم اليومية، أو المقدرين للمخاطر "غير المفكر" فيها المرتبطة بالحالة الثورية، و التي قد ترفع التكلفة المجتمعية و الإستراتيجية للتغيير المدني عن طريق الثورات إلى حدود قياسية، و تلقي بظلال من الشك على عقلانية و جدوائية مشروع الثورة في البلاد العربية.

أما الاحتمال الثاني، فيتوقف على ما إذا كانت الظروف النفسية و المجتمعية للتغيير السياسي المدني قد اكتملت شروطها و اختمرت و نضجت في كل بلد معني، و حسب كل حالة لها حساباتها الخاصة بها، فعندئذ لا محالة ستنجح الثورة في ذلك البلد في النهاية كطبعة محلية لمسلسل الثورات العربية الجارية حاليا.. و بالتالي، لن تستطيع أي قوة في الوجود أن توقف مسار التاريخ و المجتمع... إذا ما نضجت ظروف التغيير.

هناك عدة عوامل مجتمعية، سياسية  واقتصادية تغذي أكثر نوازع الثورة في البلدان العربية ربما أكثر من غيرها مثل ضعف المشاركة السياسية و ترهل منظومات وآليات السلطة، و تنامي أزمات الثقة و الصراع على الحكم، بالإضافة طبعا إلى تأثيرات المناخ الدولي بفعل الأزمات الاقتصادية و المالية المتشابكة و  التي أدت إلى تقلص النمو، و تعثر خطط الإصلاحات الاقتصادية و التنموية، و كل ما ينتج عن ذلك من غلاء المعيشة و استفحال البطالة واتساع دائرة التهميش و  تراكم الإحباط والتوتر في أغلبية البلدان العربية.

لكن بالمقابل، نجد إلى جانب نوازع الثورة، عدة عوامل أخرى قد لا تساعد على الثورة و لا تخدم آفاقها في الوقت الراهن على الأقل مثل الخوف من الانفلات الأمني و نشوب الفوضى و التخريب، و الحروب الأهلية.  أو كذلك الخوف من التداعيات الجيوبوليتيكية للثورات مثل انفراط عقد الوحدة الوطنية السكانية و الترابية لبعض البلدان و ما قد ينتج عن ذلك من إعادة رسم خرائط الأقاليم و المناطق بشكل مغاير لما هو موجود حاليا. و هي كلها اعتبارات واردة موضوعيا، و لا شك أنها قد ترفع التكلفة المجتمعية و الإستراتيجية للتغيير المدني عن طريق الثورات إلى حدود قياسية.

و لا شك أن الأنظار كلها تتجه حاليا إلى متابعة مصير الثورات الثلاث التي تحققت حتى الآن في ثلاثة بلدان عربية يشكل كل واحد منها نموذجا لعينات مختلفة من المجتمعات العربية هي تونس، و مصر و ليبيا.  فمصر نموذج للدول العربية الكبيرة ذات الثقل الحضاري و الزخم السكاني المعتبر، بتعدديتها الدينية و محدودية مواردها الطبيعية و حساسية موقعها الإقليمي. أما  تونس، فهي نموذج للدولة العربية المخضرمة ثقافيا، المتوسطة سكانيا، و الغنية بالمصادر البشرية، أما ليبيا، فهي نموذج للدولة العربية الكبيرة المساحة، بتركيبة سكانية محدودة عدديا و جد معقدة مجتمعيا، مع موارد طبيعية هائلة و موقع جيوستراتيجي متميز.

و لا شك أن مآل تلك الثورات سيضع مستقبل الثورات العربية كلها على المحك. فكل ثورة ناجحة  في البلاد العربية ستغري الشباب بالمزيد من الثورات في بلدانهم، لكن ثورة واحدة بالتكلفة الإنسانية الرهيبة و بحجم المخاطر الاجتماعية و الاقتصادية و الإستراتيجية  الهائلة كما حصل في ليبيا، وكذا عمق الهزات الخطيرة التي تهدد كيان هذا البلد، لن تكون - بكل تأكيد - عاملا  محفزا على الاستمرار في هذا النهج و لو في الوقت الراهن على الأقل.

 و مع ذلك، لا يمكن لأحد أن يتوقع موضوعيا أن يبقى أي بلد عربي لفترة طويلة بعيدا عن ما يجري في بقية بلدان المنطقة العربية، فالتغيير قادم لا محالة، و لو من باب المحاكاة و التأثر و التأثير المتبادل بين أطراف المركز و المحيط.   كما، لا يمكن لأحد في الوقت الراهن التكهن بطبيعته أو مستوى أو محتوى التغيير الذي قد تأتي به ثورات الشباب إذا نجحت يوما ما في هذا البلد أو ذاك. فلكل بلد وضعيته الخاصة أزاء الموقف الثوري، و كل مجتمع عربي يتمتع بقدر  كبير من التفرد و الخصوصية يؤهله لمقاربة الثورة بعقليته الخاصة. و لا يجوز أن نجمع كل البلدان العربية في سلة "ثورية" واحدة، أو أن نستنسخ ثورة هذا البلد أو ذاك على طريقة النعجة "دوللي".

 1. المأساة توحد الشعوب

هكذا في كل مرة، تبدأ الأحداث بمأساة، لتتحول بفعل التداعيات و العوامل المختلفة، إلى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة التي تكبر شيئا فشيئا. كان التوتر الاجتماعي قد بدأ منذ منتصف سنة 2008  في مدينة الرديف بالجنوب التونسي و سقط آنذاك عدد من القتلى برصاص الشرطة، ليتجدد أيضا في أواخر 2009.  كان الدور هذه المرة على محمد العماري، و هو شاب ذو 25 ربيعا، عاطل عن العمل منذ تخرجه من جامعة قفصة بشهادة الأستاذية في العلوم الفيزيائية. كان العماري أول من أصيب بطلق ناري في صدره خلال مواجهات مدينة منزل بوزيان.  و تتجدد المأساة، رغم أن استخدام الرصاص الحيّ كان يعدّ من الأمور النادرة جدا في تونس نظرا  للقيود القانونية الصارمة التي تحكمه، حيث لم يسبق أن شهدت البلاد مصرع مواطنين برصاص قوات الأمن سوى في سنتي 1976 في مظاهرات النقابيين، و 1984 أثناء انتفاضة الخبز التي عمت أقطار المغرب العربي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. 

مشى الشاب العماري على خطا شاب موريتاني يدعى شيخن ولد الطالب النافع، لقي مصرعه هو الآخر على أيدي قوات الأمن سنة 2007 إبان "ثورة الخبز" أو "انتفاضة الجياع" في مدينة كنكوصه جنوبي موريتانيا. أما هذه المرة، فقد قرر شاب تونسي  آخر عاطل عن العمل و ممنوع من بيع الخضر والفواكه فوق عربته المتنقلة في مدينة سيدي بوزيد، أن لا ينتظر تلك الرصاصات  الطائشة التي أودت بحياة زميليه الموريتاني و التونسي من قبل، فبادر هو إلى إحراق نفسه أمام مقر المحافظة احتجاجاً على الحرمان و تردي الأوضاع المعيشية في 17 دجمبر 2010.   

هكذا بدأت قصة الثورة التونسية.. و معها.. بدأ الربيع العربي.. و بقية القصة فمعروفة لدى الجميع.. على الأقل حتى الآن.. أما المشكلة، هي كيف اندلعت الشرارة الأولى للثورات العربية في بلد مثل تونس حقق فيه التراكم الرأسمالي للاقتصاد نسبة نمو بلغت 4.6 %، رافقها تطور في حجم الاستثمارات بنسبة 14.8 % ليصل إلى حدود 24.9 % من إجمالي الناتج المحلي الخام؟ و سجلت الاستثمارات الأجنبية في تونس زيادة قياسية تقدر بحوالي 64 % بعد أن بلغ حجمها قرابة 2.59 مليار دولار أمريكي سنة 2009. 

2. الإنترنت، ويكيليكس و الثورات الجديدة

ثورة تونس تجربة فريدة بكل المقاييس، تستحق الكثير من الدراسة و التحليل. و هي بلا شك ستظل لأجيال  قادمة مصدر إلهام و إغناء لملاحم الكثير من شعوب العالم المتمردة على الفقر و الاستبداد. و حالما تهدأ الأمور في ذلك البلد الجميل بطبيعته الخلابة و أهله الطيبين و عظمائه من الرواد و المصلحين الأوائل و الشعراء العباقرة، ستعكف كبريات معاهد الأبحاث الدولية و مختبرات الأفكار المعروفة بـ "الثينك تانك" على تشريح و تشخيص هذه الثورة، ليس فقط لمعرفة أبعادها و نتائجها و انعكاساتها المختلفة على المنطقة و العالم فحسب، بل للتعرف قبل كل شيء على الطبيعة الخاصة لهؤلاء الثوار الجدد و آلياتهم المبتكرة و الفعالة.

و إلى أن تتأتى الظروف الموضوعية لدراسة التجربة التونسية بكل تفاصيلها و أبعادها في المستقبل القريب، سيظل التساؤل قائما حول حقيقة ما نشهده حاليا من تنامي الحراك الاجتماعي و التوتر في أرجاء كثيرة من العالم، بدأت بالربيع العربي و تطورت عبر حركات الإحتجاج في الغرب مثل "لنحتل وول ستريت" في أمريكا و تيارات "الغاضبين" في أوروبا و أستراليا و أمريكا الجنوبية. و هي تعكس كلها حالات من الفوران و العصيان المدني و الثورة غير مسبوقة. فهل تلك الموجة من الثورات امتداد لتراكم حركات إحتجاجية سابقة كانت مطمورة منذ عشرات السنين؟ أم هي ظاهرة جديدة كليا؟ و هل ما نشهده الآن، و نحن على أعتاب  العشرية الثانية من الألفية الثالثة، هو حقا بداية "عصر الجماهير الرقمية" و قد انطلقت شرارتها من تونس؟

يبدو أن الشباب التونسي قد فعلا دشن فعلا ما يمكن تسميته بـ "عصر الجماهير الرقمية"،  فقدم بذلك للعالم نموذجا جديدا في الثورة على طريقة البرمجيات المفتوحة المصدر(OPEN SOURCE)  في مجال علوم الكومبيوتر. و هكذا تبدو ثورة تونس بمثابة تلك التقنية الجديدة التي توفر النص المصدري للبرنامج بكوداته و أيقوناته المختلفة، و تمنح حرية توزيعه  و تطويره من خلال إنتاج برمجيات أخرى مشتقة أو معدلة من البرنامج الأصلي مع السماح بحرية توزيعها أيضا. إنها أجيال جديدة من الثورات الاجتماعية تختلف جيناتها الوراثية و خارطة حمضها النوويDNA  عن كل ما سبق. احتجاجات و اضطرابات و ثورات عبر البث الحي "أونلاين Online "، يغذيها سحر الإنترنت التواصلي الرهيب و تؤجج نارها فضائح ويكيليكس المجلجلة، و تنضج قدرها أزمات البطالة و الغلاء المعيشي، و معاناة الفقر و التهميش و القهر. 

و لعل أهم ما يميز ظاهرة الثورات الجديدة في العالم العربي هو ما يمكن تسميته بـ "الواقعية الافتراضية". حيث لا يضاهي نجاح تلك الثورات في تحقيق نتائج بالغة الواقعية مثل تغيير بعض أنظمة الحكم، إلا طابعها الافتراضي المفارق للواقع. إنها ثورات لا تقودها تنظيمات سرية و لا معارضات سياسية لا داخلية ولا خارجية، ولا تعبئ لها دعاية صحافة كلاسيكية وطنية أو دولية. بل هي ثورات  من صنع آليات أخرى جديدة كليا تتمثل في تكنولوجيات الاتصال الحديثة و تطبيقاتها التواصلية المختلفة مثل اليوتوب و الفيسبوك و تويتر و الديليموشن، و غيرها! وما كان لهذه الثورات أن تنتصر، و ما كان للعالم أن يعرف شيئا عنها أو يتابع أخبارها على مدار الساعة لولا وجود شبكة الإنترنت والهواتف الجوالة المزودة بالكاميرات الدقيقة وآلات التصوير الرقمية مثل الويب كام، و غيرها من تلك الأدوات الإلكترونية الصغيرة و العجيبة. 

3. من الإرهاب إلى ثورة الجياع:
قبل ثلاث سنوات ألح علي زميل ألماني لكي أشارك معه في إعداد دراسة حول موضوع "التحديات والفرص المتاحة للتنمية المستدامة والاستقرار في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأدنى". في البداية، كنت مترددا و مستغربا الاهتمام الشديد لدى د. هانز بيتر ماتيس[1]،  بمثل هذه المواضيع الكلاسيكية. و لكنه شرح لي، بشيء من التفصيل و ببرودة الأعصاب المعروفة عن الألمان، أن الهدف الإستراتيجي من وراء إجراء الدراسة المزمعة ليس مجرد ترف معرفي لجمع بيانات حول بلدان المنطقة و توثيق بعض معطياتها من الناحية الأكاديمية فحسب، و إنما هو جزء من مشروع معرفي أوسع يتركز حول استراتيجيات أوروبية بعيدة المدى لتحقيق استقرار منطقة "اليورو". و هكذا فأن هدف الدراسة يتعلق بتحديد سياسات استشرافية ملائمة للتكيف مع الاحتمالات المستقبلية، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، بالنسبة للدول الشريكة لأوروبا في شمال أفريقيا والشرق الأدنى، قصد تسهيل الاستجابة للاحتياجات المتغيرة في التعامل مع أوضاع تلك الدول على المديين المتوسط و البعيد.

قبلت المشاركة في المشروع البحثي بعد أن اطلعت على شروطه المرجعية، و قلت في نفسي كم نحن بحاجة ماسة في بلداننا العربية و في بقية دول العالم الثالث إلى مثل هذا النوع من التفكير الإستراتيجي الإستشرافي لدراسة صيغ التكيف مع الاحتمالات التي يخبؤها المستقبل لبلداننا الهشة. هؤلاء الأوروبيون يدرسون منذ مدة آفاق تطور و استقرار عملتهم "اليورو" على المدى المتوسط ضمن فضاء إقليمي واسع جدا، يبعد عنهم آلاف الكيلوميترات و يختلف عنهم جذريا في جميع النواحي.

تحمست للمشروع، و طلبت من زملائي الباحثين الألمان أن يزوروا موريتانيا لكي يتسنى لهم الإطلاع عن كثب على أوضاع البلاد و التواصل بصفة مباشرة مع عدد من الشخصيات المصدرية التي كنت قد اقترحتها عليهم.. وافقوا فورا.. و بدأنا نرتب معا لإنجاح الزيارة العلمية المرتقبة..  كان تفكيري دائما على هذا النحو.. عندما أتفق مع أصدقاء أجانب في مجال الأبحاث و التطوير، أطلب مهم -إذا لم يبادروا هم بذلك - بأن يزوروا موريتانيا لنكمل معا على أرضها بقية الترتيبات المطلوبة. نجحت في ذلك عدة مرات.. و لكنني فشلت مع الألمان. نجحت مع الإيطاليين و الفرنسيين و غيرهم.. خاصة مع زملائي الإسبان من الكلية الأوروبية- العربية للأعمال The Euro Arab Management School    سنة 2002. جئت بهم من غرناطة إلى انواكشوط و نظمنا معا أول مؤتمر دولي ناجح حول التمويلات الصغيرة في شمال إفريقيا بمشاركة أكبر عدد من الخبراء المتخصصين من كافة الدول المغاربية.

لكنني فشلت مع الألمان.. لأسباب أخرى تماما.. لم أكن مع كثيرين آخرين غيري لنتوقع حدوثها في هذه البلاد.. إنها متاعب الإرهاب.. و عدم الاستقرار المستشري في منطقة الساحل و دول إفريقيا جنوب الصحراء. ففي 24 دجمبر 2007 قتل أربعة سياح فرنسيين من أسرة واحدة في هجوم إرهابي قرب مدينة "ألاك" الموريتاينية، و بعدها بثلاثة أيام فقط،  وقعت سيارة استطلاع تابعة لحامية "الغلاوية" بشمالي البلاد في كمين للقاعدة أسفر عن مقتل 4 عسكريين في 27 دجمبر 2007.

العالم قرية بلورية واحدة.. أتصل بي الدكتور هانز بيتر ماتيس، ليتمنى لي سنة سعيدة بمناسبة العام الجديد.. و ليعتذر بكل أدب بإسم زملائه الباحثين الآخرين عن عدم إمكانية الحضور إلى موريتانيا في الظروف الحالية.. تفهمت الموقف المحرج.. طمأنت محدثي بأن الأمور ستكون بخير.. و شرحت له أن موريتانيا رغم هشاشتها البنيوية، قد دخلت مرحلة جديدة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة و استلام المدنيين للسلطة.. و كيف أنني أتوقع أن تنتظم الأمور و تسير نحو مزيد من الاستقرار.. لكنني ربما كنت حالما، أو كنت ببساطة مخطئا في تقديراتي حول آفاق الاستقرار في المنطقة. لقد تفاجأ العالم في خريف سنة 2008 بثاني انقلاب عسكري يحدث في موريتانيا في غضون ثلاث سنوات فقط.

4. الفوارق الاجتماعية والإقليمية.. قنبلة موقوتة:
هكذا..استشعرت الخطر.. و أصبحت أكثر اهتماما من زميلي الألماني بموضوع الدراسة الإستشرافية حول "التحديات والفرص المتاحة للتنمية المستدامة والاستقرار في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأدنى". و بدأنا معا نعمل لانجاز المشروع البحثي الكبير مع مجموعة متعددة من الباحثين والاستشاريين من مختلف البلدان والخلفيات، تحت إشراف البروفسورة الدكتورة سيغريد فاث Sigrid Faath ، و هي عالمة ألمانية معروفة، كانت تنسق منذ سنوات  مشاريع الأبحاث الرئيسية في معهد دراسات الشرق الأوسط (IMES- Nahost-Studien Institute).

كان السؤال الرئيسي الذي تم تناوله من طرف مختلف الباحثين في ذلك المشروع البحثي، الذي أشتمل على دراسة حالة ستة بلدان عربية هي: الجزائر، السعودية، مصر، المغرب، موريتانيا و تونس، هو "كيف يمكن للحكومات في شمال أفريقيا والشرق الأدنى، على المدى المتوسط، أن تواجه التفاوتات والفوارق الاجتماعية والإقليمية في بلدانها؟"

و كانت مبررات إجراء تلك الدراسة نابعة من التزايد  المقلق للمخاطر المحتملة التي تؤثر على الاستقرار الداخلي لدول شمال أفريقيا والشرق الأدنى. فقد شهدت البلدان العربية تغيرات هائلة في القرن الماضي، فارتفع عدد السكان من 50 مليون نسمة منذ قرن تقريبا إلى أكثر من 325 مليونً نسمة حالياً. و يقدر أن يصل التعداد السكاني للبلدان العربية إلى نحو 395 مليون نسمة في نهاية سنة 2015. و فضلا عن تقلص فضاء الحرية و المشاركة السياسية المحدودة أصلا، فقد تدهورت البيئة وتضاءلت الموارد الطبيعية خلال الفترة الماضية، نتيجة أنماط تنموية لم تكن في أغلبها مستدامة و تتسم بالهدر و الفساد. وفي معظم الحالات، كانت السياسات الإنمائية في غالبيتها مجموعة من  ردود الفعل و حزمة من الإجراءات المؤقتة القصيرة المدى، كان القصد منها معالجة تحديات آنية دون الانخراط في عمليات تخطيط طويلة المدى.

و قد رصدت مختلف الأبحاث و حللت بعمق  التوترات الاجتماعية المتصاعدة منذ تلك الفترة و التي أدت إلى احتجاجات واسعة النطاق عمت في السنوات الأخيرة مختلف بلدان المنطقة خاصة بعد إن معظم البلدان العربية تتمتع بدرجة من الاكتفاء الذاتي في مجال السلع الغذائية الخاصة بالأغنياء (اللحوم والأسماك والخضروات) أفضل منها في السلع الخاصة بالفقراء مثل (الحبوب والشحوم والسكر). و توصلت الدراسة بالأدلة و الأرقام إلى أن عدم ارتياح الأهالي في البلدان المعنية لظروفهم المعيشية و كذا لنوعية مشاركتهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية و السياسية، طالما اعتبر دليلا قاطعا على تقصير مخل في أداء الدولة وتقاعس واضح في القيام بأدوارها الحيوية. و قد أصبحت تلك التوترات الاجتماعية- التي تم التعبير عنها بالعنف في كثير من الأحيان - خطرا داهما يمكن أن يقوض أسس الاستقرار الهش في العديد من بلدان المنطقة.

عنوان الدراسة، التي كان لي شرف إنجاز الفصل الخامس منها المتعلق بحالة موريتانيا، هو"التحديات والفرص المتاحة للتنمية المستدامة والاستقرار في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأدنى" و تقع في أكثر من 300 صفحة بالإضافة إلى الملحقات و الخرائط.  و تتألف الدراسة من مقدمتين و ثمانية فصول على النحو التالي:

الفصل الثاني: حالة مصر:
 - "بين الاستقرار والحفاظ على السلطة في مصر، السياسة الحكومية والحد من التفاوت الاجتماعي"  بقلم: توماس ديمليير، مساعد باحث في معهد العلوم السياسية بجامعة Erlangen - نورنبيرغ (كرسي سياسة وتاريخ الشرق الأوسط)، (و) ستيفان روول ، أستاذ الاقتصاد والباحث السياسي في الإصلاحات الاقتصادية في مصر؛

الفصل الثالث: حالة الجزائر:
- "صعوبة إزالة الفوارق الإقليمية" ، بقلم: هانز بيتر ماتيس، دكتور في الفلسفة  والعلوم السياسية والاقتصاد، نائب مدير معهد دراسات الشرق الأوسط، هامبورغ؛

- "قضية اجتماعية جديدة في الجزائر: الشباب والعاطلون عن العمل والعلاقة المتشابكة؟" بقلم: محمد صائب ميزت، دكتور في علم الاجتماع، كبير الباحثين في مركز بحوث الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية (
CREAD) في الجزائر ، خبير استشاري دولي (منظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي) ؛

الفصل الرابع: حالة المغرب:
- "الأقلمة وسلطات الأقاليم في المغرب"، بقلم: Sigrid Faath بروفسورة في العلوم السياسية و علم الاجتماع وعلم الأعراق البشرية و المنسقة العلمية للمشروع البحثي الأوروبي "Menastabilisierung" في معهد GIGA.
- "التنمية الاجتماعية في قلب السياسة المغربية"، بقلم: الدكتور محمد العيادي، أستاذ العلوم الاجتماعية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية /عين الشق، الدار البيضاء؛ 

الفصل الخامس: حالة موريتانيا:
- "المناطق والفئات الاجتماعية :التنمية و آفاق الاستقرار في موريتانيا" بقلم: محمد السالك ولد إبراهيم، دراسات عليا في الفلسفة و علم الاجتماع و إدارة العلاقات الدولية، باحث و خبير استشاري دولي؛

الفصل السادس: حالة تونس:
- "تونس: النجاح السياسي على الصعيدين الإقليمي والتفاوت الاجتماعي"، بقلم: Sigrid Faath (كما ورد أعلاه)؛

الفصل السابع: تحليل ودراسات عن الشرق الأوسط:
- "بعض جوانب السياسة الاجتماعية والتنمية الإقليمية في الشرق الأوسط"، بقلم: هانز بيتر ماتيس (كما ورد أعلاه) ؛
- حالة المملكة العربية السعودية:
 - "التفاوت في التنمية في المملكة العربية السعودية"،  بقلم: هانز جورج مولر، خبير استشاري في مركز الخليج للأبحاث (دبي)، وأستاذ المشاكل الاقتصادية لبلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط في جامعة لايبزيغ (و) شليفاك كونراد، أستاذ الاقتصاد في جامعتي Würzburg و تونس؛

الفصل الثامن: تقييم وآفاق:
 - "وضعية تسيير التفاوتات و الفوارق الاجتماعية بين المناطق و الأقاليم في شمال إفريقيا والشرق الأوسط"، بقلم: Sigrid Faath.

5. تحديات الاستقرار: البركان الخامد:
انتهت الدراسة المحكمة بعد أن أرسل كل الزملاء أوراقهم البحثية عن مختلف البلدان المدروسة و نشرت ضمن كتاب صدر باللغة الألمانية في فبراير/شباط من سنة 2009، تحت عنوان "التحديات والفرص المتاحة للتنمية المستدامة والاستقرار في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأدنى".  كما  نشر ملخص للدراسة باللغة الانجليزية تحت عنوان استفهامي بالغ الدلالة هو: "مقاربات اجتماعية وإقليمية من أجل التنمية في شمال أفريقيا والشرق الأدنى: أي وعود بالاستقرار للدول في هاتين المنطقتين؟" . و قد حاولت الدراسة تقديم إجابات منهجية على سؤال جوهري هو: إلى أي مدى يمكن للتدابير و الإجراءات التي يتم اتخاذها في مختلف البلدان المعنية أن تسهم جديا في توطيد و تأمين السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي في تلك البلدان؟

و حتى و إن لم تكن جميع بلدان شمال أفريقيا والشرق الأدنى تأتي  في نفس الدرجة من حيث اتخاذ التدابير و الإجراءات، كما و كيفا، للحد من الفوارق الاجتماعية والإقليمية في سياساتها العمومية و في ممارساتها الميدانية، فقد أكدت تحليلات الدراسة الألمانية على أهمية ظهور مزيد من الوعي و التحسس الجديد تجاه المشاكل التي تؤثر على الاستقرار في جميع بلدان المنطقة موضوع البحث.

لقد أدى تفاقم العلاقات السياسية المتوترة أصلا بين الدولة ومواطنيها في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، إلى تنامي عدم المساواة من حيث مستوى المعيشة و نوعية الحياة خصوصا داخل الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا. و بصورة متزايدة، أصبح الاندماج في سوق العمل و الولوج إلى وسائل الإنتاج و فرص المقاولات متعذرا، خاصة على الشباب والنساء من بين مجموعات مهمشة أخرى كثيرة، في المدن الكبرى و كذلك الأمر بالنسبة لسكان الريف عموما الذين يعانون من تدهور سبل العيش و الفقر المدقع. و قد أدت تلك الوضعية الصعبة إلى فقدان الأهالي للثقة في الحكومات المتعاقبة و كذا في ممثلي الدولة و في الطواقم الإدارية القائمة على المرافق العمومية بعد أن ظلت هي الجهات الفاعلة الرئيسية في الحياة العامة منذ نهاية الحقبة الاستعمارية تقريبا. إن فشل الدولة الصارخ في توفير قدر كاف من التنمية المستدامة  والازدهار للشعوب في البلدان المذكورة،  قد أدى إلى تشكل جبال الجليد من تراكمات خيبة الأمل و الإحباط  و الانسداد لدى الكثير من الفئات الاجتماعية الفقيرة، بحيث أصبح هذا الرصيد الملغوم يغذي استعداد الأهالي لاستخدام العنف ضد الدولة نفسها في بوادر حقيقية للثورة و التمرد.

لقد أدى ارتفاع معدلات النمو السكاني فضلاً عن النمو الاقتصادي والحضري السريعين في بعض البلدان، حيث وصل سكان الحضر في البلدان العربية إلى
55% من السكان سنة 2005 مقارنة بنحو 38% في سنة 1970، إلى مزيد من الضغط على المرافق والبني الأساسية. كما أن الهرم السكاني يتميز بحضور شبابي لافت للنظر، فنحو 60% من سكان البلدان العربية لا تتعدى أعمارهم الـ 25 سنة.

و حيث أن التوترات الاجتماعية والسياسية المتنامية في السنوات الأخيرة، قد شملت على السواء العديد من الفئات الاجتماعية - من السكان الفقراء في المناطق الحضرية و الريفية الأقل نموا- فقد أدى ذلك الوضع المتأزم إلى الوصول إلى مستوى عال جدا من الاحتجاج و الاحتكاك و ما يعنيه ذلك من تزايد احتمالات زعزعة الاستقرار و السلم الأهلي في العديد من بلدان المنطقة.  والسؤال المقلق الذي سيظل يطرح نفسه دائما بإلحاح هو: كيف يمكن للحكومات مواجهة العنف المتزايد والصراعات الداخلية؟ و كيف يمكن للدولة- على المديين المتوسط والبعيد- من ناحية، حماية نفسها من تأثير عوامل عدم الاستقرار،  مع العمل على توفير و تهيئة الظروف المناسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، بحيث تكون قادرة على جذب الاستثمار الأجنبي وخلق فرص عمل جديدة لمواطنيها و تحقيق التنمية المتوازنة على مستوى أقاليمها المختلفة؟

كما كان للتدهور البيئي و انتشار الجفاف و التصحر دور بارز في زعزعة الاستقرار، فهو يهدد حاليا نحو 2.87 مليون كم  مربع أي خمس المساحة الإجمالية للأراضي العربية. و هو ما أدى إلى تقهقر القدرات الإنتاجية للأراضي الزراعية و تقويض أسس الأمن الغذائي العربي. ومع ازدياد عدد السكان وتَسبب النمو الاقتصادي بارتفاع معدلات الاستهلاك للفرد الواحد، تزداد الفجوة بين إنتاج الطعام واستهلاكه، ويزيد الاعتماد على استيراد الطعام. و هكذا، تزداد ظاهرة الجوع في الوطن العربي، خاصة في البلدان غير النفطية.

و رغم محاولات الإقلاع المحدودة و الخجولة هنا أو هناك، فقد باتت الضغوط ضد التغيير الحقيقي حية و قوية في أوساط "نومانكلاتورا Nomenklatura" الدولة و أجهزتها العتيقة. بل، لقد بقيت الهياكل الأساسية للنظم السياسية والاجتماعية- الإقصادية في البلدان المذكورة كما هي تقريبا لأكثر من نصف قرن مضى من عمر الدولة الوطنية.

و جدير بالذكر أن مفهوم الاستقرار في هذه الدراسة الألمانية  يتميز بكونه يحيل إلى خلفية تقدمية واعدة بالنظر إلى طبيعته الدينامكية و التحررية في ذات الوقت. فالاستقرار السياسي بهذا المعنى لا يمكن أن يعني مطلقا الحفاظ على وضع راهن لنظام سياسي فاشل سواء كان ديمقراطيا أو غير ديمقراطي. كما أنه لا يكتفي فقط بإدخال المزيد من المعالجة و الإصلاح في المناهج و الأساليب، بل يشجع التحولات الجديدة داخل أنسجة و أنساق النظام السياسي و الاجتماعي والاقتصادي الموجود أو ما يسمى بمقولة تثوير "البراديغم السائد".

6.  ماذا بعد الربيع العربي؟
سؤال وارد و وجيه. لكنه يفترض ضمنيا أن الربيع العربي قد ولى أمره و انتهى عهده، و بالتالي، لا بد من التساؤل عن ماذا سيأتي بعده. أما الحقيقة، فهي أن الربيع العربي فعل إنساني مضارع مستمر في الزمان و المكان.. تصرفه صيرورة الأحداث في زمن جديد.. و توقيت جديد.. إنه ظاهرة مثيرة تستحق البحث و التقصي. و على كل حال، لا أحد يستطيع قراءة الغيب أو التنبؤ في الوقت الراهن بنهاية الأحداث الجارية و لا الأحداث القادمة، أحرى  بمستقبل الأوضاع في المنطقة العربية بعد انتهاء الربيع العربي. أما أسباب ذلك فوجيهة جدا.. فالوقت ما يزال مبكرا لدراسة هذه الظاهرة بموضوعية و بما تستحقه من اهتمام، بعيدا عن التجاذبات و الحسابات الآنية!  و لفترة طويلة قادمة ستبقى الثورات العربية، التي و إن اتسمت بالجرأة و التحدي على نحو مبهر و جذاب، إلا أنها ستظل غنية و غامضة و مثيرة للبحث و التحليل العلمي بعد أن تنضج المسارات process و تكتمل الصورة.

و مع ذلك، لا بد من نوع من المجازفة المعرفية المحسوبة بغية بلورة موقف معرفي نقدي من الأحداث الجارية في مختلف البلدان العربية، يختلف جذريا عن المواقف الأيديولوجية الكلاسيكية سواء لدى أنصار الربيع العربي أو لدى خصومه. ويطمح هذا الموقف المعرفي النقدي إلى صياغة أفكار و استنتاجات مفيدة تسمح للباحث و المحلل و صاحب القرار بالتعامل الضروري مع ظاهرة الثورات العربية الجارية من أجل فهمها أولا.. و ذلك من خلال  تحليلها بأدوات إجرائية  تستلهم المنهج النقدي في مجال "ابستيمولوجيا" العلوم الإنسانية.

و بناء على فهم ظاهرة الثورات العربية و تحولات الربيع العربي حسب هذه المقاربة، يمكن عندئذ التفكير في وضع خارطة طريق تصالحية تقوم على استثمار و توظيف عقلاني لثلاث أفكار إيجابية  بدأت تتبلور من بين ركام الخطابات المتناثرة حول تقييم الربيع العربي. و هذه الأفكار هي:

-          التناوب السلمي على السلطة و إصلاح الشؤون العامة و تغيير الواقع نحو الأفضل هي مطالب ضرورية، وإذا ما أريد لها النجاح والاستدامة، فينبغي أن تتم حصريا من الداخل؛

-          المجتمع المدني (الأحزاب السياسية و هيآت المنتخبين والنقابات والصحافة الحرة والمنظمات غير الحكومية، إلخ...) شريك فعال في تحقيق الأهداف الإستراتيجية للإصلاح والتغيير والمتمثلة حاليا في (1) إنجاح التحول نحو الديمقراطية و(2) تحقيق التنمية المستدامة و(3) تأمين المستقبل. والمجتمع المدني بهذا المعنى ليس خصما أو بديلا عن الدولة ومؤسساتها الحكومية بل هو جزء من الدولة وشريك فعال للحكومة؛

-         الطريق الأمثل والأكثر أمانا نحو الإصلاح والتغيير يقتضي التركيز على بناء السياسات والبرامج التنموية العمومية على أساس متين من المعطيات العلمية الموضوعية المتأتية من ثمار البحث العلمي الرصين بدلا من الاعتماد على مصادر أخرى مشوشة -غالبا- بالخصومات "السياسوية وبصراعات المصالح وأشكال المضاربات المغرضة.

وانطلاقا من وعي عميق بجدلية الترابط بين هذه الأفكار الأساسية الثلاث، يرمي مشروع خارطة الطريق هذه إلى تشجيع النخب الفكرية والمهنية والسياسية في البلدان العربية سواء في السلطة و في المعارضة - كل حسب مجال تخصصه وخبرته- للمساهمة في مناقشة ودراسة ومقارنة ونقد وتصحيح ومفاضلة المعطيات المتعلقة بسيناريوهات معينة حول تصور شكل معين لمستقبل كل بلد عربي، بحيث يكون ذلك الشكل مرغوبا فيه ومتفقا عليه على أوسع نطاق شعبي:

 - السيناريو المرجعي: وهو يمثل الامتداد المنطقي للتطورات الراهنة، وذلك فيما لو استمر النمط الحالي للفعل و ردود الفعل في إطار الثورات العربية و تحولات الربيع العربي؛

-
السيناريو الشعبي: وهو يمثل التصور المتولد عن استطلاع رؤى الشارع والقوى الاجتماعية والتشكيلات السياسية القائمة للمستقبل المرغوب فيه من طرفهم، وذلك بغض النظر عن مدى تكامل أو اتساق ذلك التصور.

-
السيناريو الوسيط: وهو يمثل مسار البلدان العربية حتى عام 2020 فيما لو طرأت تعديلات إصلاحية غير جذرية على مجموعة السياسات المطبقة حالياً، وفيما لو حدثت بعض التعديلات غير الجوهرية في تركيبة القوى الفاعلة في المجتمعات العربية.

-
السيناريو الابتكاري: وهو يصور المسار الذي يمكن أن تسلكه البلدان العربية حتى عام 2020، وذلك فيما لو أطلقت طاقات الإبداع والابتكار الكامنة في المجتمع من خلال تغيير جوهري في التركيبة الطبقية وتسيير الموارد البشرية، وفي توزيع السلطة والثروة في المجتمع، وفي تغيير نسق القيم السائدة حالياً، وفي مستويات التعليم والتكوين وتوطين التكنولوجيا، ومن ثم حصول تغيير جوهري في وضع و تنفيذ السياسات التنموية لاستغلال المصادر الطبيعية وإدخال الترتيبات الإصلاحية المؤسسية المدنية و الأمنية والعسكرية، وتغيير نمط تصور وإقامة وتسيير العلاقات الإقليمية والدولية للبلدان العربية.

ومن أجل تسهيل هذه العملية وتقريبها منهجيا نقترح جدلا أن يتم الاتفاق على أن تكون نقطة الانطلاق في تحديد السيناريوهات هي القراءة الجيدة لخريطة القوى الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية في البلدان العربية و آفاق ديناميكيتها المستقبلية. ثم يجري تحديد القوى الرئيسية التي تملك رؤية أو مشروعات واضحة نسبياً للتغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بما في ذلك القوى الممثلة حاليا في السلطة وكذا رؤية أو مشروعات القوى الموجودة في المعارضة، نقترح خمسة مشاريع سيناريوهات نقدمها بإيجاز فيما يلي:

-
السيناريو الأول: هو "السيناريو المرجعي" الذي يعبر عما قد تؤول إليه الأوضاع على امتداد الـ 9 سنوات القادمة، إذا ما استمر المنطق الحالي للحكام في التعامل مع المشكلات الرئيسية في البلدان العربية و ما يؤدي إليه من تفاهم هو الذي قاد أصلا إلى حالة الثورات العربية، وليس بالضرورة استمرار نفس الحكام أو نفس السياسات التفصيلية. إنه سيناريو "الربيع العربي".

-
السيناريو الثاني: يطرح رؤية القوى المجتمعية والسياسية التي ترى أن المستقبل الأفضل للبلدان العربية إنما يبدأ بقيام نظام حكم إسلامي، يترجم أحكام الكتاب والسنة إلى سياسات داخلية للتنمية وضوابط في التعامل مع الآخر، بما يحفظ للبلاد هويتها الإسلامية المتميزة ويضمن للمواطنين السعادة في الدارين. إنه سيناريو "الدولة الإسلامية".

-
السيناريو الثالث:  يطرح رؤية النخب المتغربة ذات التوجه الرأسمالي الليبرالي، التي ترى أن مستقبل البلدان العربية والسبيل لبقائها على خريطة العالم – وسط التنافس الدولي الحاد – يكمن في إتباع نظام رأسمالي أكثر رشداً وعقلانية وانتفاعاً بالعلم من الرأسمالية المشوهة القائمة حالياً, إنه  سيناريو "الرأسمالية الجديدة".

-
السيناريو الرابع: يطرح رؤية الجماعات و النخب ذات التوجه الاشتراكي، التي تعتقد أن الاشتراكية لم تنته بسقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية في شرق أوروبا، وأن الاشتراكية قابلة للنجاح إذا ما تمت الاستفادة من الدروس والعبر التي حفلت بها التجارب السابقة للتطبيق الاشتراكي في العالم كله وكذا تلك الجديدة مثل "التشافيزية". وهو ما يبرز ضرورة الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية ورفض المقايضة بين الحقوق الاجتماعية والحريات السياسية. إنه سيناريو "الاشتراكية الجديدة".

-
السيناريو الخامس: وهو يعبر عن وجهة نظر مجموعة قوى مختلفة داخل المجتمعات العربية، ترى أن السبيل الأفضل للتقدم والازدهار هو تحقيق التوافق الوطني والتراضي على حل وسط، يوفق بين رغبات الأطراف المختلفة للعمل الوطني في كل بلد عربي. إنه سيناريو "الوفاق الوطني".

هذه هي السيناريوهات الخمسة التي نقترح أن تشكل مسودة "وثيقة  ترشيد الربيع العربي" بين السلطة والمعارضة بهدف وضع مشروع خارطة طريق للمصالحة بين الطرفين تكون بمثابة "جواز سفر" للعبور نحو الأمان و نحو الأمام، نطرحها هنا – من موقع الشعور بالمسؤولية القومية التاريخية بكل تجرد – للتأمل فيها و دراستها وتقييمها و المفاضلة في ما بينها موضوعيا من حيث الأهداف والمناهج والنتائج والآثار المترتبة عليها في منحنى زمني متوسط حدوده 2020.

كما أننا نلفت انتباه النخب في كل من الطرفين و في كل بلد عربي إلى أنه بالإمكان طرح منطلقات أخرى بديلة في اختيار السيناريوهات، حسب ما قد يتم عليه التراضي بين الطرفين. وبالطبع، فإن اختيارنا هذا هو مجرد مثال للتقريب ولا يغلق باب الاجتهاد أمام تجربة سيناريوهات أخرى مختلفة أو إضافة سيناريوهات جديدة إلى اللائحة الحالية. فلا شك أن تعدد السيناريوهات حول مستقبل الثورات العربية و تحولات الربيع العربي، بما تتسم به من تنوع في معايير اختيارها، لهو أمر مرغوب لإثراء فهمنا جميعا لهذه الظواهر المعقدة - التي تطرح نفسها اليوم بإلحاح على كل بلد عربي حكاما و محكمين-  وما تنطوي عليه تلك الاقتراحات و الأفكار من (1) نقاط قوة و(2) نقاط ضعف و(3) فرص و(4) مخاطر يجدر التعرف عليها قبل فوات الأوان.

7. خاتمة: حلم أم كابوس؟
 ليس من باب تثبيط الهمم و لا ذر الرماد في العيون أن نقول بأن الثورات في البلدان العربية هي بقدر ما تمثل حلما جميلا يصلح أن تتغنى به الجماهير و تعلق عليه الكثير من آمالها، فإنها كذلك  قد تكون كابوسا مرعبا، يجدر بالعرب أن يفكروا جديا في آثاره و تداعياته المختلفة قبل الإقدام عليه. و هو ما يلقي بظلال من الشك على عقلانية و جدوائية مشروع الثورة في البلاد العربية. كما يتوجب عليهم كذلك أن يدققوا حسابات الربح و الخسارة بالنسبة لتكاليف كل سيناريو محتمل قبل اتخاذ القرار من أجل حسن تقدير الأمور.

لقد دأبت الأدبيات الثورية لدى كل الأمم و الشعوب على اعتبار أن القيام بثورة ما هو دائما عمل بطولي من الناحية الإنسانية، نظرا لما ينطوي عليه من مجازفة و تضحية. و هو تقدير صحيح. لكن الثورة كذلك تعني مسؤولية أخلاقية كبيرة يعتد فيها بالتداعيات و النتائج و ليس فقط بالنوايا و الأحلام. و لعل الكثيرين يدركون الآن، أنه من بين  نماذج أو"كاتالوجات" الثورات العربية الجارية حاليا، تبقى الحالة التونسية الأكثر مرجعية و الأكثر وضوحا في الرؤية المستقبلية لمسارها. و مع أنها كانت الأكثر سلمية و الأقل دموية، إلا أن تصدر الإسلاميين للمشهد بعد الانتخابات و ما رافقه من تراجع لدور شباب الإنترنت و مجموعات المدونين الذين كانوا هم الأبطال الحقيقيين للثورة التونسية،  يطرح الكثير من التساؤلات حول المستقبل. أما الحالة المصرية فهي جد معقدة و حساسة بعد سقوط الريس و بقاء نظام الحكم متماسكا تقريبا. الإستفتاء على الدستور أحدث ضجة كبيرة مرت بسلام .. لكن أحداث ماسبيرو قرعت أبواب المجهول.. و الآن الانتخابات على الأبواب.. و نقاط الإستفهام لا تنتهي.. أما في ليبيا، فقد أخذت الثورات العربية مسارا مختلفا جذريا.. لم تعد سلمية .. سلمية كما في السابق.. العنف يولد العنف المضاد.. حمل الشعب السلاح .. و حرر نفسه مدينة مدينة.. و زنقة.. زنقة.. و بيتا بيتا.. أصبح التدخل العسكري الدولي سقفا جديدا للثورات العربية.. اختلت الموازين.. فارتفعت فاتورة التكلفة المجتمعية و الإستراتيجية للتغيير المدني عن طريق الثورة إلى حدود قياسية..

أما في البلدان التي اندلعت فيها الثورات ... لكنها لم  تصل بعد إلى مرحلة إسقاط رأس الدولة، فهي تعيش وضعية تراجيديا كارثية بالغة التعقيد و الحساسية كما في اليمن و البحرين و سوريا، حيث لا يوازي مأساوية استمرار شلال الدم النازف إلا تعقيد المواقف و الحسابات الجيوستراتيجية الإقليمة و الدولية إزاء مصير الحالة الثورية في هذه البلدان بالذات.  

في بلدان عربية أخرى هنالك مشاريع ثورات غير مكتملة.. بقيت حتى الآن على هامش الثورات العربية الجارية حاليا. و هكذا تعتبر الأردن و المغرب و الجزائر و موريتانيا، وربما آخرون..  بلدانا مستوردة أو مستهلكة للثورة أكثر من كونها ثائرة. و على كل حال، تظل كل البلدان العربية في حاجة ماسة إلى وقفة تأملية صادقة من  أجل تبني و تفعيل إصلاحات حقيقية للتحول الديمقراطي و تعزيز المشاركة السياسية الشعبية بغية إعادة بناء أيديولوجيا الدولة العربية على أسس جديدة و جدية تتركز حول قضايا: (أ) مصلحة،(ب) أمن، (ج) استقرار و(د) تنمية  و ازدهار البلدان العربية باعتبارها أولويات إستراتيجية لا خلاف عليها.


نواكشوط، دجمبر 2011

محمد السالك ولد إبراهيم،
باحث و خبير استشاري/
مؤسس المركز الموريتاني لأبحاث التنمية و المستقبل
medsaleck@gmail.com

ملحوظة:
المقال هو في الأصل ورقة بحثية قبلت في المؤتمر العاشر لمؤسسة الفكر العربي، المنعقد تحت شعار "ماذا بعد الربيع؟"  في دبي بفندق جميرا زعبيل سراي، من 5 إلى 7 ديسمبر 2011.







لائحة المصادر و المراجع:

-          تقرير الرصد العالمي، البنك الدولي- 2010،
-          Global Monitoring Report 2010,
-          تقرير البيئة العربية: تحديات المستقبل/ مصطفى كمال طُلبة و نجيب صعب (محرران)/ بيروت: المنتدى العربي للبيئة والتنمية 300 صفحة.
-          تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009 : تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية
-          تقرير مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة و التنمية (CNUCED) عن إفريقيا - 2008،
-   CHAVAGNEUX, C., « Les dernières heures du libéralisme. Mort d’une idéologie », Éditions Perrin, Paris, 2007.
-          التعاون الاقتصادي العربي بين القطرية والعولمة، د. إسماعيل صبري عبد الله، دار الفلاح، 1999؛
-          النظرية الغربية والتنمية العربية، د. نادية رمسيس، سلسلة كتب المستقبل العربي /6/، مركز  دراسات الوحدة العربية، بيروت 1984،
-          وقف النمو  - نادي روما، ، ترجمة عيسى عصفور، منشورات وزارة الثقافة دمشق 1997،
-          التنمية البشرية وبناء مجتمع المعرفة: قراءة في تجارب الدول العربية وإسرائيل والصين وماليزيا/عبد الحسن الحسيني/ بيروت: الدار العربية للعلوم ـ ناشرون/ 392 صفحة.
-          الأزمة المالية: أسبابها وتداعياتها وطرق حلها والحل المقترح للعرب/ فتحي عطية السيد مصطفى/ القاهرة [نشر خاص بالمؤلف] 546 صفحة؛
-          التنمية المستدامة: الإطار العام والتطبيقات، دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً/ نوزاد عبد الرحمن الهيتي/ أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية 203 صفحة؛
-          العقل العربي ومجتمع المعرفة: مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول/ نبيل علي/ الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب: جزئين (سلسلة عالم المعرفة 369ـ370)؛
-          التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2009/ جامعة الدول العربية: الأمانة العامة ـ القاهرة 390 صفحة؛
-          العرب والمرحلة الاقتصادية الجديدة/ هشام الخطيب وآخرون/ مراجعة وتقديم: محمد الحلايقة / عَمَان: مؤسسة عبد الحميد شومان؛ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر 194 صفحة؛
-          أنظر أيضا: سلسلة المقالات التالية بالعربية و الفرنسية حول الموضوع- محمد السالك ولد إبراهيم:


المصادر و المراجع الأجنبية

-    The coming surge in food prices : Nomura’s Food Vulnerability Index (NFVI) and its sub-components,
-    Afrique Verte : Point sur la Situation Alimentaire n°116, décembre 2010 ;
-    SAHEL ET AFRIQUE DE L’OUEST : Perspective sur la sécurité alimentaire Octobre 2010 à Mars 2011 - Réseau de Systèmes d’Alerte Précoce contre la Famine, FEWS NET Washington - 2010 ;




[1]  دكتور في الفلسفة  والعلوم السياسية والاقتصاد، و نائب مدير معهد دراسات الشرق الأوسط و باحث رئيسي في المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية (German Institute of Global and Area Studies -GIGA) في مدينة هامبورغ بشمال ألمانيا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

سيدي محمد ولد بوبكر: قراءة في طموح سياسي مثير؟

حتى وإن بَدَا متأخرًا ذلك الطموح السياسي الذي أبانَ عنه الوزير الأول الأسبق السيد سيدي محمد ولد بوبكر، من خلال الإعلان عن ترشحه للمنصب...